ما هي القسطنطينية الآن

القسطنطينية

تعد مدينة القسطنطينية من أهم المدن التي لعبت  دورا مهما في التاريخ خاصة خلال الألف سنة الأخيرة، حيث تصارعت  العديد من الدول والإمبراطوريات من أجل السيطرة عليها، نظرا لموقعها الجغرافي المتميز، فـ ما هي القسطنطينية الآن ؟ و ما هي أهم المراحل التي مرت منها ؟ وهل ما زالت تحتفظ بنفس الاسم ؟

 

موقع القسطنطينية ومزاياه

تحتل مدينة القسطنطينية  مكانة فريدة  بين مدن العالم قديما وحديثا، وذلك بسبب موقعها الفريد والمتميز الذي يوجد في نقطة التقاء القارتين الآسيوية والأوروبية .

وتتميز  هذه المدينة  بموقعها الاستراتيجي الهام المبني  فوق تلال تحيط بها البحار من ثلاث جهات، فهناك البحر الأسود أو القرن الذهبي من الشمال، ومضيق البوسفور من الشرق، وبحر مرمرة من الجنوب، الأمر الذي جعلها  نقطة التقاء الطرق التجارية التي تصل الشرق بالغرب، فأصبحت تأتيها السلع من البر والبحر.

إضافة إلى ذلك؛ تتميز  المدينة بسيادة مناخ معتدل ومتقلب أحيانا ، حيث تنخفض الحرارة في فصل الصيف وترتفع كمية التساقطات في فصل الشتاء مع تساقط الثلج أحيانا الأمر الذي يضفي على المدينة جمالا وبهاء، وتنتشر حول جنبات المدينة مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة والأنهار والبحيرات كبحيرة كوجوك.

 

تاريخ تأسيس بيزنطة أو القسطنطينية

تأسست مدينة القسطنطينية من طرف الغزاة اليونانيين سنة 657 قبل الميلاد، وأطلقوا عليها اسم بيزنطة، وقد ظلت تحتفظ بهذا الاسم  إلى حدود سنة 330 م حيث اتخذها الامبراطور الروماني قسطنطين الأكبر عاصمة للإمبراطورية خلال فترة حكمه التي امتدت من 306 ميلادية إلى 337 ميلادية .

اهتم قسطنطين الأكبر بترميم المدينة وخصص لذلك أموالا باهضة، حيث قام بنقل الرخام الأبيض إليها، كما قام بنقل التماثيل من بلاد اليونان القديمة، وتم تنصيب أقواس النصر بها وبنيت الأسوار حولها من أجل تحصينها وحمايتها، وانتشرت فيها القصور الشامخة والحمامات العامة.

وبعد أن تم بناء المدينة تم افتتاحها بجميع مرافقها من طرف الامبراطور نفسه في حفل عظيم سنة 330 ميلادية، وأطلق عليها اسم روما الجديدة ، ولكن الناس آثروا أن يطلقوا عليها اسم القسطنطينية تخليدا لذكر مؤسسها.

ومباشرة بعد افتتاحها توافد عليها التجار والأغنياء من أنحاء العالم الروماني  بعد توصلهم بنبأ  اتخاذها عاصمة للإمبراطورية من طرف قسطنطين الأكبر ، وبعد علمهم بالمشاريع الضخمة التي سـ تتضمنها المدينة، الأمر الذي ساهم في تزايد عدد سكانها أضعافا كبيرة.

ونظرا لأهمية موقعها؛ عرفت المدينة ازدهارا تجاريا كبيرا أثر على نموها وتطورها ومكانتها الاقتصادية والسياسية، حيث ظلت خط  الدفاع عن الشعوب المهددة للإمبراطورية  و لأوربا المسيحية، وتوالت على  حكمها إحدى عشرة أسرة آخرها أسرة قسطنطين الحادي عشر التي ظلت تحكم المدينة حتى سقوطها في يد العثمانيين سنة 1453 ميلادية.

 

الصراع الإسلامي المسيحي حول المدينة

أدرك المسلمون منذ ظهور الإسلام أهمية المدينة وخطورة موقعها الأمر الذي قادهم إلى غزوها ومحاولة السيطرة عليها بدءا من القرن الأول الهجري، غير أن تحصينات المدينة القوية ساعدت على صدهم وإبقائها بعيدة عن سيطرتهم حتى منتصف القرن الخامس عشر ميلادي حيث استطاع العثمانيون  فتح  المدينة بقيادة السلطان محمد بن مراد الملقب بالفاتح واخضاعها وضمها للعالم الإسلامي.

 

فتح القسطنطينية

عمل السلطان السابع في تاريخ الدولة العثمانية  محمد الفاتح  (1429 م – 1481 م ) جاهدا من أجل تحقيق حلم أبيه وحلم كل المسلمين في السيطرة على المدينة التي كانت تشكل عاصمة الروم أشد أعداء المسلمين آنذاك.

وقد استفاد السلطان الفاتح من معرفته التاريخية العميقة بالمحاولات السابقة للمسلمين من أجل إخضاع المدينة  فاستفاد من أخطائهم وحاول تجنبها  ، كما استفاد من تأييد  رجال الدين الذين كانوا يحمسونه على فتح المدينة، ليكون البطل الذي تنبأ له النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الفتح المبين.

ولهذا؛ قام السلطان  بتطوير جيشه وتقويته  واعادة تنظيمه ، كما قام بتعزيز  أسطوله البحري وزيادة تسليحه ليبلغ 400 سفينة حربية ، واقتنى المدافع وأمر بتطوير أخرى، وأعد الخطط والخرائط وكل الوسائل التي  ستمكن من تحقيق الحلم الكبير.

وفي سنة 1453 ميلادية اندلعت المعركة الحاسمة بين الروم المدافعين عن المدينة بزعامة امبراطورهم  وبين العثمانيين الفاتحين بزعامة السلطان محمد الفاتح، الذي استطاع الانتصار في المعركة  ودخول المدينة، معلنا بذلك عن أكبر تحول  في تاريخ المدينة  حيث انتقلت من الصف المسيحي لتصبح جزءا من العالم الإسلامي إلى اليوم .

 

من القسطنطينية إلى إسلام بول أو مدينة الإسلام

أدت سيطرة العثمانيين على المدينة إلى إحداث تغيير كبير في مجرى التاريخ، حيث انهارت الامبراطورية الرومانية بعد تساقط تحصينات ودفاعات المدينة ووقوعها في أيدي الفاتحين الجدد، لتمتد بذلك  الفتوحات العثمانية نحو شرق أوروبا.

وقد اتخذ العثمانيون مدينة القسطنطينية عاصمة للامبراطورية نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام، وقاموا بتغيير اسمها إلى مدينة اسلامبول، وشيدوا بها القصور والجوامع والمرافق المتنوعة، وظلت عاصمة للعثمانيين حتى سنة 1930 ميلادية حيث قام القوميون الأتراك بتغيير اسمها بعد هزيمة الامبراطورية في  الحرب العالمية الأولى ( 1914 م – 1918 م )، وتفككها وفقدانها للعديد من الأراضي.

 

ما هي القسطنطينية الآن ؟

اتخذت مدينة القسطنطينية اسما جديدا بعد 1930 ميلادية، حيث أصبحت تسمى مدينة اسطنبول عوضا عن اسلامبول وتلقب بمدينة التلال السبع كما تلقب بمدينة المآذن، وتمتد المدينة اليوم على مساحة إجمالية تبلغ 5461 مثر مربع، تشكل المدينة القديمة منها حوالي 1830 متر مربع.

وتعد المدينة اليوم من أهم المدن السياحية في العالم حيث يتوافد عليها سنويا ملايين السياح، الذين يزورون المدينة من أجل الاستمتاع بمناظرها الخلابة والمتنوعة، والاستجمام في البحار المحيطة بها، ومن أجل التعرف على مآثرها الكثيرة والمتنوعة التي تجمع بين المعمار اليوناني والروماني، إضافة إلى المعمار الاسلامي الذي مازال يحتل المكانة الأعظم من بنايات وأحياء المدينة .

 

قد يفيدك اكثر:

 

أهم المآثر التاريخية بمدينة اسطنبول

تشتهر مدينة اسطنبول أو القسطنطينية قديما  بالعديد من المآثر التاريخية، التي تعكس روعة المعمار الإسلامي وجمالية المعمار الروماني ، حيث تنتشر بها القصور البديعة، والتي تعد قصور الدولة بهشته و تشراغان ويلدز و السلطانة زبيدة من أشهرها.

هذا فيما يخص القصور؛ أما فيما يخص المساجد فنجد المسجد الأزرق أو جامع السلطان أحمد، إضافة إلى جامع الفاتح و جامع أورطاكوي.

وتنتشر بالمدينة أيضا العديد من القلاع  كقلعة أسكي أو ما يسمى البرج الشرقي لإسطنبول، والتي يعود تاريخها إلى العصر البيزنطي، وقد جددها العثمانيون عدة مرات واستخدموها طويلا في معاركهم وحروبهم، إضافة إلى قلعة طوبجى ومنارة روميلي التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن 17 ميلادي على يد السلطان مراد الرابع، وتتشكل هذه القلعة من برجين ضخمين مطلين على البحر مبنيان بالقرميد والحجارة.

إضافة إلى ذلك؛ تتميز مدينة اسطنبول بانتشار البازارات التي تحتوي على المتاجر التي تضم السلع والبضائع المتنوعة، ويعد البازار الأكبر من أقدم وأكبر البازارات في العالم، حيث يحتوي على ما يقارب أربعة ألاف متجر موزعة على خمسة وستين شارعا ملتويا، تلتقي كلها في الشارع الرئيسي، وتختص هذه المتاجر  ببيع القماش والمجوهرات والألبسة والعطور وغيرها من البضائع.

وإلى يومنا هذا؛ مازالت مدينة اسطنبول أو القسطنطينية تحتل مكانة متميزة في العالم وذلك راجع إلى موقعها الاستراتيجي المتميز المطل على مضيق البوسفور والواقع في ملتقى الطرق التجارية بين آسيا وأوربا، الأمر الذي يعود بالفائدة على تركيا ويدرا عليها أموالا طائلة تساهم في تقوية اقتصادها وتعزيز مكانتها السياسية في العالم .